كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



و{أَشِدَّاء} جمع شديد و{رُحَمَاء} جمع رحيم، والمعنى أن فيهم غلظة وشدة على أعداء الدين ورحمة ورقة على إخوانهم المؤمنين، وفي وصفهم بالرحمة بعد وصفهم بالشدة تكميل واحتراس فإنه لو اكتفى بالوصف الأول لربما توهم أن مفعوم القيد غير معتبر فيتوهم الفظاظة والغلظة مطلقًا فدفع بأرداف الوصف الثاني، ومآل ذلك أنهم مع كونهم أشداء على الأعداء رحماء على الإخوان، ونحوه قوله تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى المؤمنين أَعِزَّةٍ عَلَى الكافرين} [المائدة: 54] وعلى هذا قوله:
حليم إذا ما الحلم زين أهله ** على أنه عند العدو مهيب

وقد بلغ كما روى عن الحسن من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم ومن أبدانهم أن تمس أبدان وبلغ من ترحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنًا إلا صافحه وعانقه والمصافحة لم يختلف فيها الفقهاء.
أخرج أبو داود عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدًا الله واستغفراه غفر لهما» وفي رواية الترمذي «ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان ألا غفر لهما قبل أن يتفرقان».
وفي الأذكار النووية أنها مستحبة عند كل لقاء وأما ما اعتاده الناس بعد صلاتي الصبح والعصر فلا أصل له ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنة وكونهم محافظين عليها في بعض الأحوال ومفرطين في كثير منها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها، وجعل ذلك العز بن عبد السلام في قواعده من البدع المباحة، وأطال الشيخ إبراهيم الكوراني قدس سره الكلام في ذلك، وأما المانقة فقال الزمخشري: كرهها أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه وكذلك التقبيل قال: لا أحب أن يقبل الرجل من الرجل وجهه ولا يده ولا شيئًا من جسده، ورخص أبو يوسف عليه الرحمة المعانقة؛ ويؤيد ما روى عن الإمام ما أخرجه الترمذي عن أنس قال: سمعت رجلًا يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا رسول الله الرجل منا يلقى أخاه أينحني له؟ قال: لا قال: أفيلتزمه ويقبله؟ قال: لا قال: أياخذ بيده ويصافحه؟ قال: نعم» وفي (الأذكار) التقبيل وكذا المعانقة لا بأس به عند القدم من سفر ونحوه، ومكروه كراهة تنزيه في غيره، وللأمرد الحسن حرام بكل حال.
أخرج الترمذي وحسنه عن عائشة قالت: قدم زيد بن خالد بن حارثة المدينة ورسول الله في بيتي فقرع الباب فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجر ثوبه فاعتنقه وقبله، وزاد رزين في حديث أنس السابق بعد قوله: ويقبله قال: «لا إلا أن يأتي من سفره» وروى أبو داود سئل أبو ذكر هل كان صلى الله عليه وسلم يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لقيته قط إلا صافحني وبعث إلي ذات يوم ولم أكن في أهلي فجئت فأخبرت أنه صلى الله عليه وسلم أرسل إلى فاتيته وهو على سريره فالتزمني فكانت أجود أجود، وهذا يؤيد الإطلاق المحكي عن أبي يوسف؛ وينبغي التأسي بهم رضي الله تعالى عنهم في التشدد على أعداء الدين والرحمة على المؤمنين.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأبو داود عن عبد الله بن عمر مرفوعًا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا فليس منا وإخراجًا هما. وأحمد. وابن حبان. والترمذي وحسنه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تنزع الرحمة إلا من شقي ولا بأس بالبر والإحسان على عدو الدين إذا تضمن مصلحة شرعية كما أفاد ذلك ابن حجر في (فتاويه) الحديثية فليراجع.
وقرأ يحيى بن يعمر {أشدا} بالقصر وهي قراءة شاذة لأن قصر الممدود في الشعر نحو قوله:
لا بد من صنعًا وإن طال السفر

وقوله تعالى: {بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا} خبر آخر للدين أو استئناف ويجوز فيه غير ذلك على ما لا يخفى، والرؤية بصرية، والخطاب لكل من تتأتى منه، و{رُكَّعًا سُجَّدًا} حال من المفعول، والمراد تراهم مصلين، والتعير بالركوع والسجود عن الصلاة مجاز مرسل، والتعبير بالمضارع للاستمرار وهو استمرار عرفي، ومن هنا قال في (البحر): هذا دليل على كثرة الصلاة منهم {يَبْتَغُونَ فَضْلًا مّنَ الله وَرِضْوَانًا} أي ثوابًا ورضا، والجملة إما خبر آخر أو حال من مفعول {تَرَاهُمْ} أو من المستتر في {رُكَّعًا سُجَّدًا} أو استئناف مبني على سؤال نشأ من بيان مواظبتهم على الركوع والسجود كأنه قيل: ماذا يريدون بذلك؟ فقيل: يبتغون فضلًا الخ.
وقرأ عمرو بن عبيد {وَرِضْوَانًا} بضم الراء {سيماهم} أي علامتهم وقرئ {سيمياؤهم} بزيادة ياء بعد الميم والمد وهي لغة فصيحة كثيرة في الشعر قال الشاعر:
غلام رماه الله بالحسن يافعا ** له سيمياء لا تشق على البصر

وجاء سيما بالمد واشتقاقها من السومة بالضم العلامة تجعل على الشاة والياء مبدلة من الواو، وهي مبتدأ خبره قوله تعالى: {سيماهم في وُجُوهِهِمْ} أي في جباههم أو هي على ظاهرها، وقوله سبحانه: {مّنْ أَثَرِ السجود} حال من المستكن في الجار والمجرور الواقع خبرًا لسيماهم أو بيان لها أي سيماهم التي هي أثر السجود، ووجه إضافة الأثر إلى السجود أنه حادث من التأثير الذي يؤثره السجود، وشاع تفسير ذلك بما يحدث في جبهة السجاد مما يشبه أثر الكي وثفتة البعير وكان كل من العليين علي بن الحسين زين العابدين وعلي بن عبد الله بن عباس أبي الأملاك رضي الله تعالى عنهما يقال له ذو الثفنات لأن كثرة سجودهما أحدث في مواقعه منهما أشباه ثفنات البعير وهي ما يقع على الأرض من أعضائه إذا غلظ، وما روى من قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تعلبوا صوركم» أي لا تمسوها من العلب بفتح العين المهملة وسكون اللام الأثر، وقول ابن عمر وقد رأى رجلًا بأنفه أثر السجود: أن صورة وجهك أنفك فلا تعلب وجهك ولا تسن صورتك فذلك إنما هو إذا اعتمد بجبهته وأنفه على الأرض لتحدث تلك السمة وذاك محض رياء ونفاق يستعاذ بالله تعالى منه، والكلام فيما حدث في وجه السجاد الذي لا يسجد إلا خالصًا لوجه الله عز وجل، وأنكر بعضهم كون المراد بالسيما ذلك.
أخرج الطبراني والبيهقي في (سننه) عن حميد بن عبد الرحمن قال: كنت عند السائب بن يزيد إذ جاء رجل وفي وجهه أثر السجود فقال: لقد أفسد هذا وجهه إما والله ما هي السيما التي سمي الله تعالى ولقد صليت على وجهي منذ ثمانين سنة ما أثر السجود بين عيني، وربما يحمل على أنه استشعر من الرجل تعمدًا لذلك فنفى أن يكون ما حصل به هو السيما التي سمي الله تعالى، ونظيره ما حكى عن بعض المتقدمين قال: كنا نصلي فلا يرى بين أعيننا شيء ونرى أحدنا الآن يصلي فترى بين عينيه ركبة البعير فما ندري أثقلت إلا رؤس أم خشنت الأرض.
وأخرج ابن جرير وجماعة عن سعيد بن جبير أنه قال: هذه السيما ندى الطهور وتراب الأرض، وروى نحوه عن سعيد بن المسيب.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد أنه قال: ليس له أثر في الوجه ولكنه الخشوع، وفي رواية هي الخشوع والتواضع، وقال منصور: سألت مجاهدًا أهذه السيما هي الأثر يكون بين عيني الرجل قال: لا وقد يكون مثل ركبة البعير وهو أقسى قلبًا من الحجارة، وقيل: هي صفرة الوجه من سهر الليل وروى ذلك عن عكرمة والضحاك، وروى السلمي عن عبد العزيز المكي ليس ذاك هو النحول والصفرة ولكنه نور يظهر على وجوه العابدين يبدو من باطنهم على ظاهرهم يتبين ذلك للمؤمنين ولو كان في زنجي أو حبشي، وقال عطاء: والربيع بن أنس: هو حسن يعتري وجوه المصلين.
وأخرج ابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في (سننه) عن ابن عباس قال: السمت الحسن، وعن بعضهم ترى على وجوههم هيبة لقرب عهدهم بمناجاة سيدهم، والذاهبون إلى هذه الأقوال قائلون: إن المراد علامتهم في وجوههم وهم في الدنيا، وقال غير واحد: هذه السيما في الآخرة.
أخرج البخاري في (تاريخه) وابن نصر عن ابن عباس أنه قال في الآية: بياض يغشى وجوههم يوم القيامة.
وأخرج ابن نصر. وعبد بن حميد. وابن جرير عن الحسن مثله، وأخرجوا عن عطية العوفي قال: موضع السجود أشد وجوههم بياضًا، وأخرج الطبراني في (الأوسط) والصغير وابن مردويه بسند حسن عن أبي بن كعب قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {سيماهم في وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود} النور يوم القيامة» ولا يبعد أن يكون النور علامة في وجوههم في الدنيا والآخرة لكنه لما كان في الآخرة أظهر وأتم خصه النبي صلى الله عليه وسلم بالذكر، وإذا صح الحديث فهو مذهبي.
وقرأ ابن هرمز {أَثَرِ} بكسر الهمزة وسكون الثاء وهو لغة في أثر.
وقرأ قتادة من {ءاثار} بالجمع {ذلك} إشارة إلى ما ذكر من نعوتهم الجليلة؛ وما فيه من معنى البعد مع قرب العهد بالمشار إليه للإيذان بعلو شأنه وبعد منزلته في الفضل، وقيل: البعد باعتبار المبتدأ أعني {أَشِدَّاء} ولو قيل هذا لتوهم أن المشار إليه هو النعت الأخير أعني {سيماهم في وُجُوهِهِمْ مّنْ أَثَرِ السجود} وهومبتدأ خبره قوله تعالى: {مّثْلُهُمْ} أي وصفهم العجيب الشأن الجاري في الغرابة مجرى الأمثال، وقوله سبحانه وتعالى: {فِي التوراة} حال من {مّثْلُهُمْ} والعامل معنى الإشارة؛ وقوله تعالى: {وَمَثَلُهُمْ في الإنجيل} عطف على {مّثْلُهُمْ} الأول كأنه قيل: ذلك مثلهم في التوراة والإنجيل، وتكرير {مّثْلُهُمْ} لتأكيد غرابته وزيادة تقريرها، وقرئ {الإنجيل} بفتح الهمزة، وقوله عز وجل: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ} الخ تمثيل مستأنف أي هم أو مثلهم كزرع الخ فالوقف على {أَهْلُ الإنجيل} وهذا مروي عن مجاهد، وقيل: {مّثْلُهُمْ} الثاني مبتدأ وقوله تعالى: {كَزَرْعٍ} الخ خبره فالوقف على {التوراة} وهذا مروي عن الضحاك وأبي حاتم وقتادة، وجوز أن يكون ذلك إشارة مبهمة أوضحت بقوله تعالى: {كَزَرْعٍ} الخ كقوله تعالى: {وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ الأمر أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاْء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ} [الحجر: 66] فعلى الأول والثالث {مَثَلُهُمْ في التوراة وَمَثَلُهُمْ في الإنجيل} [الفتح: 92] شيء واحد إلا أنه على الأول {أَشِدَّاء عَلَى الكفار رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} الخ، وعلى الثالث {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} الخ وعلى الثاني {مَثَلُهُمْ في التوراة} شيء وهو {أَشِدَّاء} الخ ومثلهم في الإنجيل شيء آخر وهو {كَزَرْعٍ} الخ.
واعترض الوجه الثالث بأن الأصل في الإشارة أن تكون لمتقدم وإنما يشار إلى المتأخر إذا كان نعتًا لاسم الإشارة نحو {ذلك الكتاب} [البقرة: 2]، وفيه أن الحصر ممنوع، والشطء فروخ الزرع كما قال غير واحد وهو ما خرج منه وتفرع في شاطئيه أي في جانبيه؛ وجمعه كما قال الراغب أشطاء، وقال قطرب: شوك السنبل يخرج من الحبة عشر سنبلات وتسع وثمان، وقال الكسائي والأخفش: طرفه، وأنشدوا:
أخرج الشطء على وجه الثرى ** ومن الأشجار أفنان الثمر

وزعم أبو الفتح أن الشطء لا يكون إلا في البر والشعير، وقال (صاحب اللوامح): شطأ الزرع وأشطأ إذا أخرج فراخه وهو في الحنطة والشعير وغيرهما، وفي (البحر) اشطأ الزرع افرخ والشجرة أخرجت غصونها.
وفي (القاموس) الشطء فراخ النخل والزرع أو ورقه، جمعه شطوء، وشطأ كمنح شطأ وشطوأ أخرجها، ومن الشجر ما خرج حول أصله وجمعه أشطاء، وأشطأ اخرجها اه، وفيه ما يرد به على أبي الفتح مع زيادة لا تخفى فائدتها فلا تغفل.
وقرأ ابن كثير. وابن ذكوان {شَطْأَهُ} بفتح الطاء.
وقرأ أبو حيوة. وابن أبي عبلة. وعيسى الكوفي كذلك وبالمد.
وقرأ زيد بن علي كذلك أيضًا وبالف بدل الهمزة فاحتمل أن يكون مقصورًا وإن يكون أصله الهمز فنقل الحركة وأبدل الهمزة ألفًا كما قالوا في المرأة والكمأة المراة والكماة، وهو تخفيف مقيس عند الكوفيين وعند البصريين شاذ لا يقاس عليه، وقرأ أبوجعفر {شطه} بحذف الهمزة وإلقاء حركتها على الطاء، ورويت عن شيبة ونافع والجحدري، وعن الجحدري أيضًا {شطوه} بإسكان الطاء وواو بعدها، قال أبو الفتح: هي لغة أو بدل من الهمزة {شَطْأَهُ فَازَرَهُ} أي أعانه وقواه قاله الحسن وغيره، قال الراغب: وأصله من شد الإزار يقال: أزرته أي شددت إزاره ويقال: آزرت البناء وأزرته قويت أسافله، وتأزر النبات طال وقوي، وذكر غير واحد أنه اما من المؤازرة بمعنى المعاونة أو من الإيزار وهي الإعانة.
وفي (البحر) {ءازَرَ} أفعل كما حكى عن الأخش، وقول مجاهد وغيره فاعل خطأ لأنه لم يسمع في مضارعه ألا يؤزر على وزن يكرم دون يوازر.
وتعقب بأن هذه شهادة نفي غير مسموعة على أنه يجوز أن يكون ورد من بابين واستغنى بأحدهما عن الآخر ومثله كثير، مع أن السرقسطي نقله عن المازني لكنه قال: يقال آزر الشيء غيره أي ساواه وحاذاه، وأنشد لامرىء القيس:
بمحنية قد آزر الضال نبتها ** بحر جيوش غانمين وخيب

وجعل ما في الآية من ذلك، وهو مروي أيضًا عن السدي قال: آزره صار مثل الأصل في الطول، والجمهور على ما نقل أولًا، والضمير المرفوع في {آزره} للشطء والمنصوب للزرع أي فقوي ذلك الشطء الزرع، والظاهر أن الإسناد في {أَخْرَجَ} مجازي وكون ذلك من الإسناد إلى الموجب، وهو حقيقة على ما ذهب إليه السالكوتي في (حواشيه) على المطول حيث قال في قولهم: سرتني رؤيتك.
هذا القول مجاز إذا أريد منه حصول السرور عند الرؤية أما إذا أريد منه أن الرؤية موجبة للسرور فهو حقيقة لا يخفى حاله.
وقرأ ابن ذكوان {شَطْأَهُ فَازَرَهُ} ثلاثيًا.
وقرئ {فَازَرَهُ} بشد الزاي أي فشد أزره وقواه {فاستغلظ} فصار من الدقة إلى الغلظ، وهو من باب استنوق الجمل، ويحتمل أن يراد المبالغة في الغلظ كما في استعصم ونحوه، وأوثر الأول لأن المساق ينبىء عن التدرج {فاستوى على سُوقِهِ} فاستقام على قصبه وأصوله جمع ساق نحو لابة ولوب وقارة وقور.
وقرأ ابن كثير {سُوقِهِ} بإبدال الواو المضموم ما قبلها همزة، قيل: وهي لغة ضعيفة، ومن ذلك قوله:
أحب المؤقدين إلى موسى

{يُعْجِبُ الزراع} بوقته وكثافته وغلظه وحسن منظره، والجملة في موضع الحال أي معجبًا لهم، وخصهم تعالى بالذكر لأنه إذا أعجب الزراع وهم يعرفون عيوب الزرع فهوأحرى أن يعجب غيرهم، وهنا تم المثل وهو مثل ضربه الله تعالى للصحابة رضي الله تعالى عنهم قلوا في بدء ازسلام ثم كثروا واستحكموا فترقى أمرهم يومًا فيومًا بحيث أعجب الناس، وهذا ما اختاره بعضهم.
وقد أخرجه ابن جرير وابن المنذر، عن الضحاك وابن جرير وعبد بن حميد عن قتادة، وذكرًا عنه قال أيضًا: مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع يخرج منهم قوم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
وفي (الكشاف) هو مثل ضربه الله تعالى لبدء ملة الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام وحده ثم قواه الله تعالى بمن معه كما يقوي الطاقة الأولى ما يحتف بها مما يتولد منها، وظاهره أن الزرع هو النبي صلى الله عليه وسلم والشطء أصحابه رضي الله تعالى عنهم فيكون مثلًا له عليه الصلاة والسلام وأصحابه لا لأصحابه فقط كما في الأول ولكل وجهة، وروي الثاني عن الواقدي، وفي خبر أخرجه ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس ما يقتضيه.
وقوله تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الكفر} علة لما يعرب عنه الكلام من إيجاده تعالى لهم على الوجه الذي تضمنه التمثيل، وظاهر كلام بعضهم أنه علة للتمثيل وليس بذاك، وقيل: علة لما بعده من قوله تعالى: {وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} فإن الكفار إذا سمعوا بما أعد الله تعالى للمؤمنين في الآخرة مع ما لهم في الدنيا من العزة غاظهم ذلك، وهو مع توقف تماميته بحسب الظاهر على كون الكفار مستيقنين بالآخرة ومتحققين كون الوعد منه عز وجل بعيد، وضمير {مِنْهُمْ} لمن عاد عليه الضمائر السابقة، و{مِنْ} للبيان مثلها في قوله تعالى: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الاوثان} [الحج: 30] وليس مجيئها كذلك مخصوصًا بما إذا كانت داخلة على ظاهره كما توهم صاحب التحفة الإثني عشرية في الكلام على قوله تعالى: {وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ مِنْكُمْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ في الأرض} [النور: 55] فقال: حمل {مِنْ} للبيان إذا كان داخلًا على الضمير مخالف لاستعمال العرب، وأنكر ذلك عليه صاحب الترجمة لكن قال: لو ادعى هذا الخلاف في ضميري الخطاب والتكلم لم يبعد.